السعيد اليماني : للمنتدى الطلابي
...........................
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقوم الدكتور علي العمري بكتابة مذكراته على منتديات فور شباب ..
وفيها من القيم الأدبية , والتربوية , والفكرية .. الكثير .. الكثير .. مما شجعني وجعلني أنقلها لكم كاملة , علنا نقتدي بسير أمثاله ونتعلم منها ! .
وقد قمت في ما مضى بالإقتناص منها ووضعه في المنتدى ولكنها لم تأخذ حقها كما يجب !
لذا أرجو الإهتمام !
والآن لنبدأ معاً من البداية :
ذكريات شاب (1 ) :
الطفل العاقل
أحببت جداً تلك العبارة التي قالها أستاذي المفكر د. عبدالوهاب المسيري -رحمه الله-
(الطفل إنسان عاقل)!
إنه منذ الصغر يفهم ما حوله، ويشعر به، ولربما يبكي من لوعة الفراق ما يفتت الحجر،
ولكنه غير مكلَّف، لأنه يتصرف بعفوية مطلقة!
كان خروجي طفلاً لباحة الدنيا في (9/1/1393هـ - 12/2/1973م).
وفي الليلة التي ولدت فيها، تزوجت فيها. وكان على بطاقة زواجي (يوم عاشوراء)!!
أتذكر من الطفولة أشياء جميلة، وأشياء حزينة.
فأمَّا الحي، فهو (الهنداوية) وسط مدينة جدة، وعاصمتها الأم!
كان أبي يعمل في وزارة الخارجية، ويرسخ في ذهني عنه أنه كان يأخذني
إلى طبيب مصري يحب الجلوس معه، ويقول له: هذا (علولي)!
وصديق آخر يمني اسمه (علي) وبه سُمِّيت كما رُوي لي، أهداني لعبة
(مسدس، وأدوات حربية)!!
وأذكر أنه كان يأخذنا أسبوعياً إلى بيت عمِّي الشيخ داود العلواني العمري،
وهو شقيق أبي الأصغر، كل جمعة، فنجلس في بيته الذي كان سكناً في
مسجد الأمير منصور بجدة سبعة عشر عاماً.
وكنا في الذهاب والإياب نشعر بالتعب لكثرة عدد الأولاد وصغر السيارة (الفولكسواجن)،
وكنا نسميها (سيارة خنفسانة)!!
وأتذكر تماماً أنه كان يأخذني إلى الروضة، وأستطيع أن أصف المدخل الجميل والشجر
الكبير الممتد على جنبات هذه المدرسة القريبة من مقر عمله (وزارة الخارجية)،
وأذكر في مرة قبل الذهاب للروضة أنني اشتريت ببضعة قروش إسكريم مثلج (توت)
كان يباع في كيس نايلون، فتحمله وكأنك تحمل قلباً!
نعم، الطفل إنسان عاقل!
هل يا ترى تَذَكُّر كل هذه التفصيلات الدقيقة في السنوات الثلاث الأولى لا تعني شيئاً؟
هل الغنج والدلال بـ (علولي) لا تمد في نفسي مساحات من الحب المطهر،
وتعسكر فيه أجندة الولاء لأبي؟
نعم لا أتذكر المراجيح وألعاب عطاالله وسواها، لأن أبي كان إنساناً محافظاً على الوقت،
حريص ألا يختلط أبناؤه بمن لا يثق بهم، بل لا يريد أن يجرب أبناؤه الصداقة إلا مع الأقرباء
الثقات فقط. تلك كانت سياسته!
وهي سياسة صحيحة من جهة، ولكنها محرجة من طرف آخر!
فقد كان أبي كثيراً ما يمنع جلوسنا ونحن أطفال في الجلسات العائلية، أو حتى بعض
زيارات الجيران والأصحاب، لما يخشى أن يداولوا الحديث فيما لا فائدة فيه، أو يعلقوا
على أمرٍ لا ينفع، أو يتباسطوا في شيء لا يعود بذكرى طيبة!
نعم، كان يحافظ على طفولتنا بنهجه الفطري، بل وتدينه العالي.
ورغم ذلك كنت غير موافق على هذه الطريقة وأنا طفل. لأني كنت ألحظ بعض الأقران
من الصغار يجلسون بجوار أهليهم، وأجد أنهم ممتَّعون بالجلسة أكثر من متعتهم
بفحواها!
وهذه الحوادث الطفولية تجعلني أتأمل مسألة تربوية إلى اليوم:إن الطفل يمر بمرحلة مراهقة سيكلوجية ونفسية تحتاج إلى عناية وتقدير حسن،
كما يحتاجها الشاب تماماً بعد سنِّ البلوغ.
والمرحلة التي تمر بطريقة سليمة تسلِّم نفسها للمرحلة التي تليها بسلام!
إن المسألة التربوية في مرحلة الطفولة معقَّدة.
فالعبقرية المنشودة عند بعض الآباء والأمهات لأطفالهم ليست بالضرورة ناشئة من عناية
فائقة بهم على مستوى ما، بقدر ما هي الحفاظ على توازن كل مرحلة بمتطلباتها.